الجمعة، 8 أغسطس 2025

عسل الجماخير

 

عسل الجماخير

 

سأتحدث في مقالي هذا عن قصيدة شعبية من نوع الشقر المتبع في قصائد العرضة الجنوبية و تعتبر هذه القصيدة من عيون الشعر الجنوبي لما فيها من الصور والحكم، وقد نسبت القصيدة لأكثر من شاعر منهم الشاعر سعيد بن محمد المكسر رحمه الله من بالحكم، والشاعر علي بن عثمان الجبلي الغامدي (حسب رواية الشاعر خالد غنيم)، والشاعر أحمد الخريطة من قرية الجوفاء (حسب رواية عبدالعزيز بن ساري)، ورويت لغيرهم من الشعراء وأميل شخصياً إلى رواية الشاعر خالد غنيم أنها للشاعر علي بن عثمان الجبلي، والله أعلم .

القصيدة:

 

البدع :

ضل عقل الذي قال  الجماخير تنتج لي عسل

والجماخير ما تاجي يعاسيب وان كانت كثيرة

عشره ما تجي يعسوب والنحل ما يرضى بها

والعساكر بلا سلطان ما يستوي منها حكومة

والبنادق بلا رماي ما ينتثر منها دمي

يا خسارة على اللي يشتري بندقه ماهو برامي

كلما جا بيرمي الا ان عينه ترامش هدبها

 

الرد:

اينحن ما نبيع القالة باثمان يا طماع سل

وانت لابد تندم حين تصبح علوم منك ثيرة

وان حملت الزعم يومين فالحادبة ترضى بها

وان فتلنا الرشد ما ظنتي واحد(ن) ينقض حكومة

يوم صور(ن) لنا يبنى وصور العدو متهادمي

ما خبرنا الحناشه تأخذ السم ّ من روس البرامي

وانا لو كان ما عندي شهادة ترى ما اشهد بها

 

قال ابن خُرمان:

يتحدث الشاعر في البدع عن خطأ من يتوقع أن العسل تنتجه (الجماخير) وهي نوع من النحل وظيفتها حماية الخلية من الاعتداءات وحراسة الملكة بينما من ينتج العسل هو النحل العاملات، وهذا كقولهم : (إنك لا تجني من الشوك العنب)، ويؤكد الشاعر أن هذه  الجماخير وإن كانت كثيرة حول الخلية لا يمكن أن تكون يعاسيب، والمقصود باليعسوب الذكر الذي يتزاوج مع الملكة ويقود النحل، وقد ورد في لسان العرب لابن منظور (اليعسوب : أمير النحل، واليعسوب : السيد والملك والرئيس والمقدم)، ويضيف الشاعر أن عشرة جماخير لا يمكن أن تكون يعسوبًا فالنحل لن يرضى بها.

 

وينتقل الشاعر بعد ذلك إلى لب القصيدة وهو قوله :

والعساكر بلا سلطان ما يستوي منها حكومة

فكثرة العساكر دون سلطان أو قائد لا يكون منها حكومة ودولة وإنما فوضى

 

ويشبه قوله هذا قول النابغة الجعدي:

ولا خير في جهل إذا لم يكن لهم

حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا

 

ثم يضيف شاعرنا أن البنادق مهما كانت جودتها وكثرتها مالم يكن لها رامٍ جيد فلن تصيب الهدف ولا تكسر شوكة العدو:

والبنادق بلا رماي ما ينتثر منها دمي

 

وأخيرًا ينتقل الشاعر إلى أنه من إذا قام بالأمر غير المتخصص فلن تكون له نتيجة إيجابية، وإذا وضع الأمر في غير أهله فالنتيجة الفشل  فينتقد من يشتري بندقة وهو لا يعرف الرماية فيقول :

يا خسارة على اللي يشتري بندقه ماهو برامي

كلما جا بيرمي الا ان عينه ترامش هدبها

 

قال ابن خُرمان:

ينتقل الشاعر في الردود إلى الفخر بنفسه وربعه وأنهم شجعان شرفاء كرماء لا يبيعون ( القالة ) والتي تعني الكرامة والصيت والسمعة الحسنة مهما كان الثمن ولك أيها الطماع أن تسأل إن كان يساورك الطمع فينا أو فيما عندنا :

اينحن ما نبيع القالة باثمان يا طماع سل

 

ثم يؤكد أن كل من يتجرأ على الإعتداء أو حتى حديث النفس بذلك سيندم لا محالة، وإن حمله الغرور على خلاف ذلك فسيضطر إلى التخلي عن ذلك :

وانت لابد تندم حين تصبح علوم منك ثيرة

وان حملت الزعم يومين فالحادبة ترضى بها

 

ويستمر الشاعر في الفخر بقومه وأنه لا أحد سينقض حكمهم ويخالف قولهم إذا عزموا على أمر، ثم يشير إلى أن عدوهم خاسر فيما هم منتصرون كما اعتادوا ذلك :

وان فتلنا الرشد ما ظنتي واحد ينقض حكومة

يوم صور لنا يبنى وصور العدو متهادمي

 

يذكرني هنا بمعلقة عمرو بن كلثوم التي قال فيها :

أبا هند فلا تعجل علينا

وأنظرنا نخبرك اليقينا

 

بأنا نورد الرايات بيضا

ونصدرهن حمرا قد روينا

 

ويأتي أخيرًا إلى تأكيد أن قومه شورهم ورأيهم من روسهم ومن حكمائهم ويشبههم بالحناشة وهي الثعابين التي لا تحتاج إلى استعارة السم من غيرها مشيرًا إلى خطأ ما كان يقال: ( أن الثعابين تستسقي سمها من البرمة وهي نوع من السحالي الصغيرة والزواحف غالباً ماتكون غذاءً للثعابين فكان بعض من يشاهدها يعتقد أنها تضع في فم الثعبان سمًا )، ثم يؤكد الشاعر أنه لو لم يعرف هذه الحقيقة لما شهد بها :

 

ما خبرنا الحناشه تأخذ السم ّ من روس البرامي

وانا لو كان ما عندي شهادة ترى ما اشهد بها

 

ختامًا:

كما ذكرت في بداية المقال أن هذه القصيدة من عيون القصائد التي فيها الفخر والحكمة وقوة السبك وتعتبر من الشواهد الشعرية في شعر الشقر الجنوبي .

أتمنى أن يكون حالفني التوفيق في شرحها وإيصال مقاصدها .

والحمد لله رب العالمين .

 

 

 

كتبه /

علي بن ضيف الله بن خُرمان الزهراني

شفا بالحكم – المندق – الباحة

5-8-2025 م الموافق 11-2-1447 هـ .

.......

نشرت في صحيفة النهار السعودية على الرابط :

https://annahar-news.com/news/single/24629


 

الثلاثاء، 5 أغسطس 2025

حصول الإبن حاتم على الزمالة الكندية .

 بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.. الحمد لله على كرمه الذي لا ينقطع .. الحمد لله الذي منّ علينا بحصول الإبن الدكتور حاتم على الزمالة الكندية في تخصصه الطبي .. وبهذه المناسبة أقدم له التهنئة وأهنئ نفسي ووالدته وأخوه وأخواته وزوجته وأبناءه . وأسأل الله ﷻ أن يحفظهم جميعًا ويكفيهم شر كل ذي شر (فالله خيرٌ حافظاً وهو أرحم الراحمين).

حفل التخرج يوم 20يونيو 2025 م .

https://x.com/zahrani3li/status/1936362756287934677

( الصور جزء من حفل التخرج عن طريق برنامج الزووم - يظهر فيه حاتم مع الحفيد الغالي علي بن حاتم ).














حصول الإبن ضيف الله على الماجستير.

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ..

الحمد لله فقد حصل الإبن الغالي المهندس ( ضيف الله بن علي بن خُرمان ) على الماجستير مع مرتبة الشرف الأولى من الجامعة السعودية الإلكترونية ، وبهذه المناسبة الغالية أهنئ نفسي وجميع أسرتي و أسأل الله سبحانه وتعالى له استمرار التقدم والتوفيق .

https://x.com/zahrani3li/status/1917233059088261264

الصور المرفقة من حفل التخرج يوم 29 ابريل 2025 م .




الأربعاء، 28 مايو 2025

صدور كتابي الثالث ( قال ابن خُرمان 2 ) ..

 بسم الله الرحمن الرحيم 


صدر بحمد الله تعالى كتابي ( قال ابن خُرمان 2 ) الطبعة الأولى ( 1446 هـ - 2025 م ) من منشورات مكتبة المتنبي بالدمام ، استلمت النسخة الأولى من الكتاب يوم الأربعاء 21-5-2025 م الموافق 23-11-1446 هـ . يقع في 212 صفحة .

يعتبر هذا الإصدار الثالث ولله الحمد بعد أن صدر لي قبله كتاب ( صالح اللخمي - حياته وشعره عام 2018 م ) وكتاب ( قال ابن خُرمان 1 عام 2022 م ) .

أسأل الله أن ينفع بها جميعًا وأن تكون في ميزان حسناتي , وأسأله تعالى أن يغفر لي الخطأ والزلل إنه على كل شيء قدير .

هنا خبر النشر في منصة X :

https://x.com/zahrani3li/status/1925277169519141033?s=43

وهنا صور للكتاب :


  



الأحد، 6 أبريل 2025

مساجلات كندية ..


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

عندما كان ابني الدكتور حاتم في كندا للحصول على الزمالة الكندية في تخصصه الطبي ذهبت لزيارته والسلام على الأحفاد في شهر فبراير من العام 2025 م والموافق لشهر شعبان من عام 1446 هـ ، وعدت إلى أرض الوطن نهاية الشهر لأتمكن من الصيام في السعودية.

كان الصديق الشاعر بحتري الباحة حسن محمد الزهراني على تواصل معي كعادته مع أصدقائه ، وبعد عودتي بعدة إيام وصلتني منه رسالة بها أبيات شعرية حيث كان يتوقع أنني لا أزال في كندا ، وقد رددت على أبياته الرائعة بأبيات محاولة لمجاراته مع الفرق الكبير بين قولي وقوله فهو شاعر ولست كذلك .

وهنا أورد أبياته وردي عليها لعلها تنال رضا القارئ الكريم .

 

قصيدة الشاعر حسن الزهراني بعنوان ( صباحك ورد ياكندي ):

 

لااااا تأتني من دون ( أوتاويّةْ)

           فتّانةٍ كا الظبية البرّية

 

الوجه بدرٌ والعيون نواعسٌ

 وخدودها من حسنها ورديةْ

 

خذها ولا تلمس يداً أو (إليةً)

 فتكون في درك الهلاك ضحية

 

ولتأتني سِرًا بداخل (شنطةٍ)

كي لا تحطم هامتي( سعديّة )

 

ح

س

ن

…..

 

ردي على القصيدة :

 

عدنا الى دار السعود وقبل أن

تأتي رسالة صاحبي المحظية

 

عدنا بأيد خالية ؛ ياااااليتني

قد كنت أعلم ! ؛ حاجتك مقضية

 

لكن لم تخسر كثيرًا صاحبي

ما عندهم مما طلبت ضحية

 

مخدوع من ظن الجمال جمالهم

جمال أرض ؛ والحلال بلية  😂

 

 

مع تحيات ابن خُرمان

الشاعر عبدالرحمن الكناني واللعب الشهري ..

 عبدالرحمن الكناني واللعب الشهري

 

#شعبيات

#قال_ابن_خُرمان

 

اتصفح منصة التكتوك أحيانا ورغم كثرة ما فيها من الغث إلا أن فيها معرفات تستحق مشاهدة محتوياتها منها ما ينشر تلاوات قرآنية وبعضها ينشر معلومات وفوائد قيمة وبعضها ينشر ابداعات وفنون شعبية مختلفة.

لفت انتباهي أحد المعرفات التي تابعتها باسم ( عبدالرحمن الكناني ) شاعر تخصص في قصائد اللعب الشهري ، شاعر مدهش في قصائده واختياره للكلمات ، وله محاورات مع شعراء آخرين كالشاعر ( حسن بن وجران الزهراني ) وغيره.

ما جعلني اكتب هذه التغريدة قصيدة له استمعت إليها بصوت الفنان ( شرواك الزهراني ) فيها ابداع .

الطرف الأول من القصيدة يتحدث عن الصيف في #الباحة ويدعو المصيفين لزيارة وادي #ضرك في محافظة #المندق خاصة بعد الأمطار حيث سيجد الزائر متعته فهنا الخضرة والمياه الجارية والجو العليل ، ثم ينتقل الشاعر في الرد إلى ما يميز قصائد اللعب الشهري وهو الحديث عن الحب ؛ فالحبيب الذي يتحدث عنه الشاعر بديعاً في صفاته يسلب اللب ويسبي العقل وعندما يراه يتمنى وصاله بأي وسيلة ليروي عطشه من الحب وينال ما يتمناه. ونترككم مع القصيدة .

البدع :

يا مصيّف على الباحة تعدى من ضرك يوم

بعدما يمطر الناوي على المندق وسيله

الرد:

يا بديع الوصايف يوم اشاهد منظرك يوم

ودي اوصلك واخذ غايتي باية وسيله

 

تحياتي .

 .......

ملحوظة :

اتضح لي أن اسم الشاعر مستعار وليس اسمه الحقيقي ، واحتراماً لرغبته لم أنشر الاسم الحقيقي .

....

تغريدة على الرابط :

https://x.com/zahrani3li/status/1908440138989924714

 

القصيدة في التكتوك على الرابط :

https://www.tiktok.com/@asas2470j79/video/7489186745355996424?is_from_webapp=1&sender_device=pc&web_id=7489893558872163858

 

الخميس، 20 فبراير 2025

من ذكريات كندا ..

بسم الله الرحمن الرحيم

 

عندما كنت في زيارة للإبن الدكتور حاتم والمبتعث إلى كندا للحصول على الزمالة الكندية في تخصصه الطبي قمت صباح يوم الخميس ٢٠ فبراير ٢٠٢٥ م الموافق ٢١ شعبان ١٤٤٦ هـ  بأخذ  أطفاله ( ميس و ميلا و علي ) إلى موقف الباص الذي يوصلهم إلى المدرسة ، في جو شديد البرودة وصلت درجة الحرارة أو البرودة ( -١٨ ) درجة مئوية , وكانت كثبان ( الثلج ) في طريق السيارات تشبه كثبان رمال الدهناء ..

فقلت لقائد الباص الذي لا يفهمني :

 يا سائق الباص لا تسرع وكن حذرًا

فمهجة القلب قد أودعته باصك

وقد تفضل بحتري الباحة الشاعر حسن محمد الزهراني بإجازة البيت فقال :

 رفقا بقلبي الذي قد ضمهم شغفا

حكّم بربك في الأحباب إحساسك


المقاطع المرفقة للأحفاد أبناء حاتم يلعبون في الثلج أثناء انتظارهم وصول الباص :






 كتبه /

علي بن ضيف الله بن خُرمان الزهراني

الخميس

٢٠-٢-٢٠٢٥ م الموافق ٢١-٨-١٤٤٦ هـ

بروسارد - مونتريال - كندا


الخميس، 30 يناير 2025

ميس وميلا

 بسم الله الرحمن الرحيم


الحفيدات الغاليات ميس وميلا بنات حاتم حفظهم الله جميعاً يقمن بمحادثة باللغة الفرنسية أثناء وجودهم في كندا في ٢٩يناير ٢٠٢٥ م الموافق ٢٩ رجب ١٤٤٦ هـ .

أسأل الله يحفظهم ويوفقهم ويستر عليهم .



 




ميس تقرأ باللغة الفرنسية

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحفيدة الغالية ميس بنت حاتم أثناء وجودها مع والدها في مونتريال بكندا تقرأ موضوعًا كتبته باللغة الفرنسية يوم الاربعاء ٢٩ يناير ٢٠٢٥ م الموافق ٢٩ رجب ١٤٤٦ هـ .

حفظها الله ووفقها .



الثلاثاء، 21 يناير 2025

القصيدة الكندية ..

 

القصيدة الكندية

 

قال ابن خُرمان :

عند زيارتي للإبن الدكتور حاتم وعائلته أثناء إقامتهم في كندا للدراسة والحصول على الزمالة الكندية في تخصصه الطبي قلت هذه القصيدة وحيث أنني لست شاعرًا فإن هذه ليست إلا مجرد فضفضة و محاولة للتعبير عما في النفس مما شاهدته في تلك البلاد النائية .

 

البدع:

الله ويش هذي المزارع وذي الغابات

ويش ذا البحيرات الغزيرة وذا الانهار

مناظر متعة لمن زارها والساكن

ياحظ من له منزل في ديارهم

 

الردود:

ياللي تهوجس في المناظر وتلغى بات

ابعد همومك عن فوادك ولا تنهار

وارتاح في كل المواقف وخلك ساكن

دارٌ بها الاسلام ما هي ديار هَم

 

٢٦-٥-٢٠٢٤ م

١٨-١١-١٤٤٥ هـ

السبت، 28 ديسمبر 2024

زافر العقبة ..

زافر العقبة

 

قبل أن نبدأ الحديث عن موضوعنا في هذا المقال لعل من المفيد شرح مفردتي الزافر والعقبة والمقصود بهما ، فالزافر يطلق في لغة المنطقة على العمود الذي يستند عليه سقف المنزل عندما كان البناء من الحجر والأسقف من الخشب فيوضع أقوى الأخشاب وأصلبها عموداً يطلق عليه الزافر لتوضع عليه السواري ثم تفرد عليها أخشاب السقف ، أما العقبة فهي الطريق الصعبة الملتوية في الجبال تصل بين السراة وتهامة وكانت العقاب منتشرة في جبال السروات بعضها يمكن استخدامها من قبل الانسان والحيوان وبعضها لا يتمكن إلا المعتاد من الناس طرقها ( ونحمد الله الذي يسر هذه العقاب في عصر الدولة السعودية المباركة أدامها الله حيث قامت بفتح طرق السيارات وسفلتتها حتى أصبح التنقل بين السراة وتهامة لا يتجاوز جزء من الساعة بعد أن كان يستغرق يومًا أو أكثر)،  ويسمى النزول إلى تهامة ( غورًا ) والصعود منها إلى السراة ( جلوسًا ) فيقال غار إلى تهامة وجلس إلى السراة .

قال ابن خُرمان : كان ارتياد هذه العقاب قبل السيارات في غاية الصعوبة يعاني منها الجميع خاصة وأن البعض يضطر للنزول إلى تهامة والصعود منها باستمرار من حيث احتياجهم للأسواق في الجهتين وهناك من لديه بيوت ومزارع في السراة وفي تهامة فينال منهم التعب والجوع والظمأ، وقد قيض الله في أسفل هذه العقاب بيوتًا بها رجال يتوارثون الكرم وتقديم الطعام والماء والعون لمرتادي هذه الطرق والجبال الصعبة بل لم يكن يهنأ لأحدهم بال عندما يمر اليوم دون أن يكرم ضيوفاً أو يعين محتاجاً أو يفرج كربة مكروب حتى استحقوا أن يطلق على أحدهم لقب ( زافر العقبة ) أي العمود الذي يسند مرتادي هذه العقاب ويكرمهم بالأكل والشرب والمبيت ويقال في الأمثال الشعبية في زهران ( ما يسكن بجانب الطريق بخيل، ما يسكن إلا الجيد ) وورد في أقوال العرب عن إكرام الضيف شعر كثير منها قول حسان رضي الله عنه :

يغشون حتى ما تهر كلابهم  ... لا يسألون عن السواد المقبل

وهنا أستطيع القول أن من نتحدث عنهم في هذا المقال تجاوزوا قول حسان رضي الله عنه بأنهم يبحثون عن السواد المقبل ويستبشرون بقدومهم، وفي هذه العجالة سأذكر بعض هذه البيوت وهؤلاء الرجال حيث قمت بالبحث في بعض الكتب القليلة المتوفرة و في ثنايا الانترنت والذي لم أجد فيه ما يفيدني كثيراً لكن عدم الحصول على الأمر كله أو جله لا يمنعنا من حفظ القلة ونشره لعل من يأتي مستقبلاً يبحث و يحفظ لنا هذا الإرث الجميل .

وجدت في كتاب من أعلام زهران جمع وتحقيق الأستاذ قينان بن جمعان الزهراني رحمه الله معلومات قيمة عن بعض من أطلق عليهم هذا اللقب ( زافر العقبة ) وهما أحمد الدامر و حسن الساهر , وسأقتبس بتصرف مما كتبه المؤلف عن هذين العلمين إضافةً إلى ما وجدته أثناء بحثي ثم أنتقل إلى غيرهما.

1- أحمد الدامر([1]) : وهو أحمد بن يحيى بن علي الخزمري الزهراني الملقب بالدامر رحمه الله المتوفي في أواخر العقد السادس أو بداية العقد السابع من القرن الرابع عشر الهجري، وهو من قرية الفهيدة التابعة لقرية الدركة من الجماجم ، وهي إحدى قرى وادي أشحط التابع لقبيلة بالخزمر في تهامة ، ويقع منزله بجوار عقبتي كدادة التي تصل بين قرية الجماجم وتهامة والعقبة الثانية عقبة بطيلة التي تصل بين قرية بطيلة وتهامة . كان منزله رحمه الله رحمه الله أشبه بخلية النحل لا يبعد عن العقبة سوى أمتار قليلة بجواره حصن مرتفع يشاهده القاصدون من مسافات بعيدة ، و مما يروى عنه أنه رغم جدب الزمان فقد وسع الله عليه رزقه فكانت المحاصيل الزراعية في مزارعه وفيرة ولعل هذا بسبب دعاء المحتاجين ومن يرتاد منزله فلم يكن إكرامه للناس من باب المباهاة وإنما كان يبتغي مرضاة الله تعالى ( كما نحسبه والله حسيبه ). كان ممن أرتاد منزله الشاعر محمد بن ثامرة والشاعر علي الغبيشي وقد ذكراه في القصيدة التالية ، البدع من ابن ثامرة:

يا سلامي يا اهل أبو ركبة في الميدان خل المفتلي ([2])

حكم البيطار في صنعته ما فيه لا خلة ولا تهمان ([3]) 

من يصيبه حزّة المكربة يزفر ويتمظظ ألّ له ([4])  

الرد من الغبيشي :

يوم رحنا عند عيدان كان قبل تالوهلة فتّ لي ([5]) 

هو ويا الطاوي وربي جعلهم مركز(ن) للحجز والتهمان([6]) 

واحمد الدامر عسى فدوته ما اهل الوجوه المظللة ([7])  

 

ومما قيل فيه أيضاً هذه القصيدة للشاعر محمد بن حسن المالحي :

سلام يا شيخ (ن) ظلمه المسمي يوم سما

يكون سموك الخضر والسعد والياس يا أحمد

ما حد يسمي الدامر الا الذي يدمر قبيلة

و أما أنت ما هلا عمرت القبايل والعقاب

 2-  حسن الساهر([8]) : وهو حسن بن يحيى الساهر العلوي الدوسي الزهراني المتوفي في العقد السابع من القرن الرابع عشر الهجري عن عمر جاوز الثمانين عاماً رحمه الله ، وهو من قرية القرى بجرداء بني علي الدوسية يقع بيته بجانب الطريق على ربوة مرتفعة يتكون من بيت دورين وحصن وكان بيته مقصداً للطالعين والنازلين من عقبة ذي منعا بين السراة وتهامة ، - ولعله من الواجب الإشارة أن عقبة ذي منعا ذكرت في التاريخ والسير فهي العقبة التي سلكها الطفيل بن عمرو في معية أبي هريرة رضي الله عنهما في طريقهما إلى مقابلة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم – وقيل أن لقب الساهر أطلق عليه بسبب حسن وفادته للناس وسهره على راحة ضيوفه كما سميت المقبرة المجاورة لمنزله ( مقبرة الساهر ) لكثرة الذين كانوا يفدون إليه وهم في سن متقدمة فيكرمهم وينزلون مجاورين له حتى يتوفاهم الله فيجهزون ويدفنون في تلك المقبرة. أما لقب زافر العقبة فقد أطلق عليه عندما تقابل عنده أناس من السراة وآخرين من تهامة فأكرمهم فقال القادمون من السراة ( الغائرون ) الآن تقوينا للنزول وقال الصاعدون إلى السراة ( الجالسون ) ونحن تقوينا للصعود من العقبة فهذا زافر العقبة .

مما يروى عنه أنه كان يكرم مخلوقات الله من الطير والجراد وغيرها فيمنع أهله من حماية مزارعه منها قائلاً ( أنها من مخلوقات الله وتأكل من رزقه ) . وروي عنه أيضاً أنه كان يبقي أحد أهله في البيت باستمرار حتى لا يأتي عابر سبيل يحتاج أكلاً أو ماءً فلا يجد أحداً يكرمه . ونختم بما تيسر من القصائد التي قيلت عنه فقد مدحه أحد الشعراء بقوله :

كذاب يا من بغى حجة مع الساهر

وحجته والزيارة عند مصراعه

ويقصد الشاعر هنا أن خصمه ومن يحاول التقليل من شأنه سيهزم بسبب حجة الساهر القوية والتي يعبر عنها كثرة ما في بيته وحوله من الضيوف. والقصيدة التالية توضح مدى حب أهل قريته له وتفانيهم في مساعدته عن الحاجة حيث نزلت أمطار غزيرة وجرف السيل إحدى مزارعه فتنادوا أهل قريته والقرى المجاورة وأعادوا إعمارها وقال الشاعر:

ندرك أعمارنا في حشمة الساهر

لو دعانا للعدو بينقول ابشر

ومعنى قول الشاعر أنهم سيقدمون أنفسهم فداءً تضحية من أجل الساهر حتى لو كان نداؤه لمقابلة الأعداء . 

3- سعيد الدندني ([9]): وهو سعيد بن صغير بن يحيى الكناني الزهراني الملقب الدندني ، وقد ورث لقب زافر العقبة عن والده رحمهم الله جميعاً حيث كان بيتهم في وادي ثمران بتهامة بالحكم أسفل عقبة ( تبرنة ) في ملتقى واديين ويسمى بيتهم الحصون و الركيب (المزرعة)  تحت البيت يسمى هشلان قال عنه الشاعر سعيد الطس رحمه الله ضمن قصيدة لم أجدها كاملة :

   وبيت هشلان مبنيٌ على السابله

  ويقول في الردود :

 ويشبع الضيف م الترحيب ما سابله

ومعنى قول الشاعر أن البيت والمزرعة المسماة هشلان مبنية على الطريق يمرها كل عابر سبيل حتى أن الضيف يشبع من كثرة الترحيب به وكأنه يكرر قول الشاعر مسكين الدارمي :

أضاحك ضيفي قبل إنزال رحله ..... ويخصب عندي والمحل جديب

و ما الخصب للأضياف أن يكثر القرى ..... ولكنما وجه الكريم خصيب

ومع هذا كان سعيد الدندني رحمه الله يكثر التراحيب ويكثر القرى ولعلي هنا أذكر هذه القصة التي رويت لي عنه أنه كان هناك ( جلّاس ([10])) أي صاعدون من العقبة كانوا في سوق الشعراء في تهامة عددهم يقارب العشرة حاولوا تجنب المرور على منزله لعلمهم بكثرة ورّاد المنزل ولم يكونوا يرغبون زيادة التكليف  فعندما شاهدهم ذبح ذبيحة جيدة وأرسل أحد أولاده برأس الذبيحة إلى المستراح وهو المكان الذي سيمرون عليه ويستريح فيه الصاعد والنازل من العقبة وقال لابنه يعترضهم برأس الذبيحة و يقول لهم هذا غداكم مات الله يحييكم ويبلغهم أن والده أقسم عليهم ما يتعدونه ، فقالوا لن نروح إلا بعرضه وحين اقتربوا من الحصون منزله قال شاعرهم :

سلام يا لدندون يا زافر العقاب ([11])

يا مكرم الضيفان بالزاد والجلب

وساح الانصب وسماوا وصار الغصه ([12])

تشهد على قولي وتشهد فعايله

 

4- مطير العيش([13]) : أثناء بحثي عن الأشخاص الذين أطلق عليهم لقب ( زافر العقبة) وجدت هذه المعلومات عن أحد كرماء تلك الديار وهو من بني مالك القبيلة المجاورة لزهران وهو مطير العيش العاصمي المالكي المتوفي عام 1355 هـ تقريبا وكان أحد الموقعين على وثيققة دعم قبيلة بني عاصم للملك عبدالعزيز آل سعود رحمه الله عام 1352 هـ، وهو من جرداء بني عاصم من بني مالك وتتبع القرية حالياً محافظة الحجرة في منطقة الباحة . ولقب العيش أطلق عليه لما كان يقدمه للضيوف وعابري السبيل ومرتادي مضافته من العيش والأكل والماء وكل ما يحتاجونه لرحلتهم ، وأطلق عليه لقب ( زافر العقبة ) لأنه منزله في طريق النازلين من السراة إلى تهامة والصاعدين من تهامة إلى السراة . وقد أطلق على قريته اسم ( قرية مطير العيش ) نسبة إليه وقد قام الأحفاد وبدعم من الدولة رعاها الله بتجديد هذه القرية وإنشاء متحفاً يرتاده زوار المحافظة . وقبل الختام أورد هذه القصيدة لشاعر بني مالك الكبير غرم الله الحميم رحمه الله :

   قال الحميم بغيت اشيخ واضحك بشيخان

  اضحك بحمدان واحمد بن مغطي وناصر

  ومطلق ابن قحيص وابو بكر والسويرق

واصبحت حازب لهم بالحبس من صبح بدري

واثار الاحلام تعمي القلب لا ناض حلما

واصبحت في الحجره رشدي خص في سبع (م)الضان

لوما العطاطير قالوا ارع الحيا وانت منا

ماتت من الجوع ما بين الشتاء والربيعي

هنا يتحدث الشاعر رحمه الله أنه كان لا يعطي بالاً لمن ذكرهم في قصيدته حتى أضطرته الظروف لهم ونزل إلى تهامة حين كادت أغنامه تهلك من قلة المرعى لقلة هطول الأمطار فرحبوا به واكتشف مقدار خطأه وأنهم الكرماء الذين لا يشق لهم غبار حيث اعتبروه واحداً منهم ولولا الله ثم هم لماتت أغنامه، والأشخاص الذين ذكرهم هم : حمدان بن ثواب المالكي رحمه الله ذلك العلم المشهور بالكرم والجود، والآخر هو الشيخ احمد بن مغطي المقبلي الزهراني رحمه الله من مشايخ زهران ، ومطلق بن قحيص المالكي رحمه الله من وجوه بني مالك ، و ناصر وأبو بكر والسويرق من الأعيان حينها رحمهم الله جميعاً .

قال ابن خرمان : أوحى لي بكتابة هذا المقال تواصل واتساب من أحد الأصدقاء يسأل عن هذه المعلومات فتعطل جهاز الجوال مما أضطرني لتغييره ومع القديم فقدت كل المعلومات للأسف حتى اسم الصديق الذي راسلني أنسيته مما جعلني أكتب هذا المقال لعله يطلع عليه ويكون له منه فائدة .

 ختاماً ليست هذه إلا محاولة لتسجيل وحفظ مآثر بعض الكرماء الذين سمعنا عنهم ولم ندرك زمنهم ، ولا يعني هذا أنه ليس هناك غيرهم بل يوجد آخرون بكل تأكيد أتمنى أن يبادر من لديه معلومات إضافية عمن ذكرت أو غيرهم من منطقة الباحة أو المناطق الأخرى المجاورة أن يضيفها في مقال أو يرسلها لي مشكوراً موثقة عن طريق الإيميل  (zahrani3li@hotmail.com   )

والله ولي التوفيق .

 

كتبه /

علي بن ضيف الله بن خُرمان الزهراني

الدمام 2024 م - 1446 هـ

 

........................

نشر في صحيفة النهار الإلكترونية على الرابط :

https://www.annahar-news.com/news/single/16199

 

 الهوامش :



[1]) من أعلام زهران ، جمع وتحقيق قينان بن جمعان الزهراني ص 403 وما بعدها بتصرف .

[2]) أبو ركبة والمفتل أسماء لبعض أنوع البنادق في زمنهم .

[3]) البيطار : صانع البنادق ، خلة  وتهمان : خلل في الصناعة .

[4]) يتمظظ ألّ له : يتجرع الآهات مما حلّ به .

[5]) الوهلة : المرّة ، فتّ لي : أكرمني وفت الخبز في السمن من أجلي ,

[6]) عيدان و الطاوي : من كرماء القوم كانوا ساكنين قريبا من الدامر.

[7]) الوجوه المظللة : الوجوه العابسة التي لا تحب الضيوف .

[8]) من أعلام زهران ، جمع وتحقيق قينا بن جمعان الزهراني ص 205 وما بعدها .

[9]) المعلومات من ابنه صالح ومن بعض الرواة الآخرين .

[10]) جلّاس : صاعدون من تهامة الى السراة حيث يقال جلس لمن طلع ، ويقال للنازل الى تهامة غار ويغور .

[11]) الدندون : سعيد الدندني .

[12]) وساح : جوانب . الأنصب : الجبل المعروف الذي تقع عليه قرى بالحكم . سماوا : جبل في تهامة بالحكم . صار الغصة : موقع في أصادير بالحكم .

[13]) المعلومات من مواقع انترنت ومن صحيفة مكة الإلكترونية وصحيفة غرب الإلكترونية .